مفهوم الحرية هو من هذا النوع من المفاهيم، ومن هذه الجهة، قدمت له تعريفات مختلفة، كما ان الباحثين في موضوع الحرية، قاموا بادراج جملة من القيود على تعريفها، انطلاقا من القبليات و المعتقدات التي يحملونها ازاءها، ما ادى احيانا إلى تقديم، تعريفات متباينة وبعضها غريب عن بعضها الاخر، ولعل الاطلاع، على ما ذكره أحد العلماء الغربيين، وهو (آيزا برلين)، من ان التعريفات التي طرحت للحرية قد بلغت حتى الان المئتي، تعريف يجعل المسالة أكثر استشكالا و يبعث بالتاكيد على، التعجب والاستغراب(2).
فبعض الباحثين، من امثال (جون لوك)، يرى (ان الحرية هي، القدرة والطاقة اللتان يوظفهما الانسان لاجل القيام بعمل، معين او تركه)(3) وبعض آخر، من امثال (جوناستيوارت، ميل)، يقول: (ان الحرية عبارة عن قدرة الانسان على السعي، وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة ان لا تكون، مفضية إلى اضرار الاخرين)(4).
ويكتب بعض آخر، من امثال، (كانت)، فيقول: (الحرية عبارة عن استقلال الانسان عن اي، شيء الا عن القانون الاخلاقي)(5).
ويعرف الاستاذ آية اللّه جوادي آملي الحرية، من المنظور، الاسلامي، فيقول: ((الحرية، من المنظور الاسلامي، عبارة عن، التفلت والتحرر من عبودية واطاعة غير اللّه تعالى»(6).
وهنا لابد من التفتيش عن اسباب ظهور هذه التعريفات، المختلفة للحرية في اهداف اولئك الذين عر فوها انفسهم، وذلك لان بعض الباحثين في الحرية انما كان في صددعرض، تعريف لماهية الحرية بقطع النظر عن الجهات السلبية، والايجابية لها، في حين كان يسعى بعض آخر إلى تقديم تعريف للحرية مرفق بتلك الحدود والقيود التي كان يعدها طبقا، لمعتقداته ذات قيمة وكمال.
وعلى هذا الاساس، فان اولئك الذين كانوا في صدد تعريف، اساس ماهية الحرية بغض النظر عن الابعاد الايجابية والقيمية، او الابعاد السلبية، لها من امثال (لوك) قالوا: انالحرية عبارة، عن تلك القدرة نفسها على فعل عمل معين وتركه، اما اولئك، الذين ارادوا من تعريفاتهم شرح الحرية ذات الجوانب الايجابية، والمنتجة والمقبولة وفق النظرالعقلائي العام للوصول الى، تحصيل السعادة والنجاح على الصعيد المجتمعي العام، او على، الصعيد الفردي، فقد وضعوا في تعريفاتهم كافة القيود، المفضية، في نظرهم، إلى تحصيل هذه الاهداف.
ومن هنا استحضر (جون استيوارت ميل)، في تعريفه للحرية، قيد (شريطة ان لا تكون مفضية إلى اضرار الاخرين)، وذلك لان، الحرية التي تكون متزاحمة ومصالح الاخرين ليست في نظرة حرية مقبولة عقلائيا.
وللسبب نفسه، ايضا، لم يكن (كانت) يرى ان الحرية مستغنية، عن اعمال القانون الاخلاقي، بل كان يرى ان رعاية القانون، الاخلاقي امر ضروري في تحقق الحرية المقبولة.
وهكذا الحال، في تعريف الاستاذ الشيخ جوادي آملي فانه، حيث كان في، صدد تعريف الحرية من وجهة النظر الدينية، لم يرها منفكة عن، العبودية للّه تعالى.
والذي يبدو هو انهذا التعريف انما هو من، وجهة النظر العرفانية والاخلاقية الاسلامية لا من وجهة نظر، الفقه او الكلام.منقول