قال خليل: ً قدري عشرون عاما حفار قبور مخمر، أحصي الدمعات تسقط على الخد، في مقبر متوج بالنسيان يسطو على حلمي ويدلني كل يوم على خط الانتهاء ، موكب جنائزي يأتي، زوار كثيرون، خليط من البشر .
جنائز أخر تدخل المقبر في سكون، لا حضور للنساء هاته المرة، مستحيل هذا الغياب رغبة في الإحساس بالحنان، مثل التيع و التماعة مشاهد متكررة، أعيش بين عويل النائحات، أمشي فوق الأعشاب المتيبسة لا يدكها سوى كعب حذائي وحافر بغلة العم حمادي، فتحدثان خشخشة تثير فضول بنات وردان والعقارب، والأفاعي آكلات لحم الموتى، مثلما تدك الدعاميص والنقاعيات والهوام.
اسمع أصوات فقهاء المقبر يمطون السهل من آيات القران، منهم من يخلط بين الكلمات لكن هدفهم في النهاية كسب دراهم ممزوجة بالحزن والخوف المتكرر من النهاية .
عشرون عاما حفار قبور عشقت الخمرة حتى الثمالة، براكتي أصبحت قدرا طافحة في عالم قصي يتشكل من لحم وعظم وجماجم متشابكة،
يشدني الحنين الى الأنثى فاختلي خلسة في عتمة المقبر ليلا بعاليا بنت العم حمادي، كانت تدلف إلي كلما طلبتها لكنها كانت أشبه بساقي القبور الذي لا يأتي إلا لماما، عبور وينتهي،
نقيم مراسيم جديدة لعالم مهزوم بالنسيان، نخرق المستحيل والمستباح، عالمين يتماوجان ككلبين يهرش بعضهما بعضا، أما خفايا جسدينا فمتشابكين كعرائش شجر التين ايام الخريف.ً
الفقيه:ً الفجر يؤذن وبراكتك موصدة يا خليل، قم توفي مولانا أمير الجماعة وسيد المتصوفة وجدناه ميتا على سجاد الصلاة، اتعض يا خليل قم لتحفر قبر سيدنا ومولانا فلك من الأجر اجرين.ً
شقق خليل الباب الآيل للسقوط سمع الفقيه غاضبا يقول : ً أعوذ بالله من غضب الله نسائم الخمرة تخنق الأنفاس ألا تتعض ياخليل ً
عاد الى الفراش، عودة منهزم ، حن الى رعشة عاليا العارية ، ضمها الى جسده المنهار، وجدها جثة هامدة، لا حراك ولا حركة.
قام فعانق الفأس والمعول، صوت المؤذن يلحن الآذان، آت من بعيد، قال خليل: ً ها قد تبين لي الخيط الأبيض من الأسود الآن، وكأن مشهدي موثق من زمانً
عمق حفرة قبر أمير الجماعة والمومس سواسي أمام رتاج مدخل المقبر، تفنن في صنعها تفنن الأشقياء حين تمشي أشياؤهم نحو المحال، حمل الجثة صوب القبر الفاغر فاه، تراءت له بغلة العم حمادي ومن ورائها وقفت عجوز تحمل صحنا به مسحوق قمح اصفر قالت له: ً ماذا تفعل يا مخمر يا غدار ً
خليل الحفار: ً من أنت، ماذا تبغين من المقبر ، هذا عملي …لا…هذا سر.. ، أزعجت الموتى ، انصرفي.ً
العجوز: ً جئت أتول فقط : ان تلمس يدا الميت طحين صحني، قصدي خير يا حفار.ً
خليل الحفار: ً سأقوم بذلك شريطة ان ندفن سرنا هنا في القبر.ً
العجوز: ً إتفقنا سرك يبقى في بئر ً.
دفن الشيخ فوق جثة عاليا فاقام أهل البلد زاوية يؤمون إليها يتوسلون القبر ليسدي عليهم من الرزق والنعمة ويسر الحال.
محمد البلبال بوغنيم
المغرب